S.A Stoners ©
 
 
Picture

قدر الله علي وطلعت لي بعثة.... هذا ما قلته لصديقي أحمد عندما سألني عن شرودي الذهني بأحد المقاهي في الولايات المتحدة , حيث أن غيابي عنه فكرياً وعن أحاديثه الممتعة أثناء جلستنا لم يكن سوى لحسابات مالية أرتبها في عقلي. لا لكثرة المال (العكس تماماً) ؛ بل لكثرة المتطلبات من ايجار شقة , وتأمين سيارة , ومقاضي, وفواتير, ومستلزمات دراسية خصوصاً ونحن في مطلع فصل دراسي جديد. أخذت أبدي شيء على شيء , لتقاسمي أنا وأختي مكافأة واحدة. لم أصل إلى هذا الحال إلى بعد مواجهة أبشع أنواع البيروقراطية. قد يستغرب البعض قائلاً: بيروقراطية في أمريكا!. الإجابة بكل بساطة , لا, فلم أجد  أي من هذا لدى غير المسلمين. ربما يكونوا قد اتبعوا حديث رسولنا الكريم –عليه الصلاة والسلام- في الإخلاص في العمل. عزيزي القارئ , عندما تتعامل مع الملحقية الثقافية السعودية بأمريكا, فأنت تتعامل مع دائرة حكومية سعودية بنفس الكتلة الهائلة من البيروقراطية وغيره من السلبيات التي لا تخفى عليكم , ولكن الفرق هنا أنها على أرض مختلفة.

أعتذر عن مساواتهم بموظفينا في المملكة , الحق يقال , الظروف الإجتماعية كونهم أقلية بأمريكا تجبرهم على التمسك بـ"عدم" إخلاصهم في العمل وكبرهم واحتقارهم للمواطنين من أبناء بلدهم. فلا تستغرب عزيزي القارئ ان "فرّاش" الملحقية لديه كامل الصلاحية لتهديدك بإلغاء بعثتك وكأنما الفضل كله يعود له في وجودك بهذا البلد. لم يكن صدور قرار الإبتعاث سوى قراراً على الإستعداد للإهانة والذل خلال السنوات التي سيقضيها الطالب خارج بلده.

قصتي هنا أسردها لكم على مراحل مجارياً ثقافة تخليص المعاملات المتبعة لدينا في المملكة (توقيع: موظف , نائب رئيس قسم , رئيس قسم , نائب مدير , مدير.....إلخ):

 
الناس واجد مير ما مثل الاخوان .... ما مثل اخوك اللي يحبك ويغليك
أنا طالب هندسة في سنتي الثانية وقد ضحيت بفصل كامل من حياتي الدراسية وأنا أخلص أسهل معاملة لولا ضرورة تدخل الملحقية الثقافية لتكون تلك المعاملة كاملة بشكل شرعي وهي النقل لجامعة أخرى. فإلتحاق أختي بالبعثة وعدم توفر تخصصها الأكاديمي في جامعتي أجبرني على الانتقال للولاية التي حصلت بها على قبول لأكون محرماً لها. ومنذ ذلك الحين (قبل خمسة أشهر) وحتى الآن لم أستلم مكافآتي الشهرية والتي هي من حقي. لم أعلم حينها ذنبي الذي أدى بهم لقطع مخصصاتي الشهرية.

عذر اقبح من ذنب
عندما اتصلت بمشرفي الدراسي لأسأله عن سبب انقطاع مكافئتي برر قائلاً أن السبب هو عدم احضاري شهادة الفصل الدراسي الفائت. مع العلم اني أرفقت شهادةالمواد المحولة من جامعتي السابقة الى جامعتي الحالية وهي الأهم وشرحت له عدم امكانيتي لإحضار هذا الطلب ؛ لوجود مبلغ مالي علي دفعه للجامعة ولا اعلم كيف سأدفعه ومكافئتي تم ايقافها وكان الرد الصاعق حرفياً بنبرة مليئة بالإنتقام: "  أي انني أشعر بالأسى تجاهك. وتركني بلا حل.

من امن العقوبة اساء الادب
بعد ثلاثة اشهر من الإتصالات والرسائل الإلكترونية , وعندما احسست باليأس حيث أنني أصبحت أقاسم أختي مكافئتها. والله اني في اسبوعي السادس من الدراسة ولا املك جميع الكتب التي احتاجها لهذا الفصل , وذلك لعدم توفر المادة الكافية لشرائها. كانت المفاجئة السارة الضارة هي اتصال من مشرفي يعتذر عما حصل قائلاً: ان ورقة نقلي تعلقت في احد المكاتب. مع العلم , ان قرار نقلي مصدق من المحلقية وكان احد الأوراق التي يضعها تحت كوب القهوة لكي لا يتبقع مكتبه لمدة ثلاثة أشهر. تذكرت هنا قول الشاعر "وبكل بساطة جاي تقلي". الجدير بالذكر هنا أنه أعطاني الأمل وبشرني بصرف كل مستحقاتي في نفس اليوم.


 بالأمل أسهر ليالي في الخيال
في ذلك اليوم فاقت زياراتي لصفحة حسابي البنكي على زياراتي لصفحتي على الفيسبوك,لكن بلا جدوى. دام ذلك لقرابة الشهر من الإتصالات التي لم يرد عليها سوى بريد مشرفي الصوتي الممل. وفي صباح يوم بعد عطلة الاسبوع, أخيراً , رفع أحدهم السماعة لتدب الحياة بي مرة أخرى بالضبط كالعاشق الذي ينتظر الإستجابة من معشوقته. ودار بيننا هذا الحوار.

أنا: السلام عليكم , انا ع.س.ج صاحب الرقم الطلابي كذا وكذا.

المشرف (بنفس كريهة): وش بغيت؟

أنا:(شرحت له القصة)

المشرف: اووه  انت للحين .. على العموم موضوعك ماهو عندي , رح دور مشرفك الجديد في ولايتك الجديدة.

وقفل السماعة!


رحلة البحث عن المشرف
ابتدأت رحلة البحث عن المشرف بالإتصال على ما يسمى بـ"بيت المبتعث" وما كان الرد إلا بعد يومين من إمرأة بدى لي أنها من الجنسية السودانية. لم تمكني لهفتي من التعبير عن فرحتي الشديدة بسرعة الرد من قبلها إلا عندما قالت لي وبدون أي ترحيب:  "إحنا بنتغدى.. دا وقت غدا اتصل بعد ساعه". لم أدرك النظام الحسابي المستخدم لدى الملحقية إلا بعد ان أيقنت أن الساعة عندهم تساوي 38 يوم في الوحدة الفيزيائية للزمن المتفق عليها عند الجميع.

حارب النار بالنار
بعدها قررت أن استعمل هذا المبدأ وأرسلت رسائل لجميع موظفي الملحقية شارحاً لهم حالتي. لم أحصل على رد سوى من إنسان رأف بحالي وقرر ان يساعدني باغياً الأجر من الله, فتكفل –جزاه الله كل خير- ان يوصلني للمشرف المنتظر لأتفاجئ بالطامة الكبرى وهي أن مشرفي الجديد طلب مني أن أسير بمعاملة جديدة حيث أن تخصصي (المختلف على الورق) كان مسجل لديهم بالخطأ سهواً.  وها أنا أعود من البداية بمعاملة جديدة.

 

في النهاية
أنا احد آلآف الطلاب الذين ابتلاهم الله بالإبتعاث تحت رحمة هؤلاء. أحمد الله أن حالي أحسن من غيري. فلست كطارق الذي أصبحت وجبته المفضلة طبق الثلج المتراكم على نافذته بالسكر من شدة الجوع. ولست كحسين الذي دخل السجن بسبب تخلفه عن دفع إيجار شقته. ولست كعبدالله الذي يبيع قطعة من أثاث بيته في كل شهر. ولست كغسان الذي يبحث في بريده الفارغ عن كوبونات تعطي وجبات غذائية مجانية.ولست كنايف الذي بات أسمه بالقائمة السوداء في البنك من كثرة الديون. نعم , كلهم ضحايا لتلك البيروقراطية لا أكثر. وليس الأمر مقصوراً على الحالة المادية فقط , بل على أدائهم الدراسي أيضاً.


أترك التعليق لكم
!!!




الكاتب\ع.س.ج


3Gs
28/11/2011 01:00:47 pm

إهداء على الطاري
http://www.youtube.com/watch?v=YYWMfNDsEWU
ههههه

Reply



Leave a Reply.